رأي

الدخول في جحر الضب … عبدالعزيز اليوسف

أن تفقد هويتك يعني فقدانك لذاتك وسماتك ومكانتك.. الهوية رداء تستقل به عن هيمنة الآخر عليك، وتنفصل بها عن تبعية الغالب لكيلا تكون مغلوبًا في ذاتك، وعلى أمرك.

حالة من فقدان التوازن على أسطح العقلانية يعيشها بعض مجتمعنا، في سلوكهم، وتصرفاتهم، وهيئاتهم، وتجارتهم، ولغتهم.. غدوا في حالة جوع ثقافي متعطش لمحاكاة الآخر بأي وسيلة ليس آخر واحد، بل آخرين كثر.. يتلقون بضاعتهم المزجاة بطريقة سريعة.

تتساءل: هل يدركون الأمور بالعقل والبرهان والوعي أم بالمناسبة والتمثيل والهوى؟ هل صار للمتجسد من الأمثلة وإن فسدت سطوة ثقافية عقلية نفسية علينا؟ وهل غدا للشواهد الخائبة وإن تكاثفت أثر يدهس وعينا وحسنا بقيمتنا؟

كثير من الناس اليوم ينسلخ من هويته فيلهث خلف هيمنة الآخر عليه بمحاكاته ومتابعته، والتماثل معه في كل شأنه، وطرائقه، وعاداته، واهتماماته.. فإن لبس كان بتقليعة غيره الذي لا ينتمي إليه لا من قريب ولا بعيد، وإن تكلم تحدث بلسان غالبه المعوج، وإن قص شعره اتخذ تسريحة بطله، وإن أكل وشرب تبع أسلوب خانقه، وإن تاجر أو فتح مشروعًا رسم طريقه برؤى، وإيحاء من هيمنة “وستايل” حبيبه، وإن عاش بين قومه امتثل لنظام غيره وإن لم يناسب.. فريقه الأول هناك، نظامه المفضل هناك، سلوكه المرغوب هناك، حياته المطلوبة هناك، تعليمه المأمول هناك، لغته المأثورة من هناك.. في كل أمر تجدهم تابعين، مقلدين، منقادين لهوية الآخر.

مساكين من هزيمتهم النفسية يقفون عند الظاهر فيحجب عنهم الباطن لا قدرة لهم على تأويل الحقائق، ولا التفريق بين المبادئ، ولا استيعاب الفارق في الدين والقيم حتى آلية التفكير لديهم يستخدمون الأدوات الغريبة نفسها.. تسارعوا ليكونوا إمعات تجول بيننا، يفقدون مزيدًا من هويتهم الدينية، والاجتماعية، والوطنية بلا استشعار لما يفقدونه في حياتهم وبين أهاليهم.

يؤلم هذا الخليط العجيب من السلوك المتسارع نحو الدخول في حالة “تجحر” مع سيطرة عقلية كاتمة على كثير من الأنفس، ما عزز واقع الانسلاخ القيمي، والابتعاد عن مكونات الهوية لنا بما فيها من مبادئ دينية، وقيم اجتماعية، ونظام أسري، ومكانة شخصية، وسمة ذاتية.

يؤلمك هذا النفور من واقع هويتنا إلى هوية الآخر الغريب بكل ما فيها، وتشكل أزمة مصطلحات معسوفة بالهوى، ومسميات ملوية بالشغف، جعلت البعض يتوارى خلفها، ويبرر بها سلوكه المقلد.. يؤلمك أن يسحر بعضهم ويعيش حالة استلاب ثقافي وقيمي مرفوض.

ويبقى قولي: اليوم نحن ندخل جحر الضب فنتبع عادات وسلوكيات تستلبنا نحو فقدان هويتنا، وتشكل وعينا بطريقة ممجوجة؛ لذا يجب أن نتوقف ونعزز شخصيتنا، ونحافظ على هويتنا الخاصة في ثورتنا نحو الحياة والنماء والسعادة التي نعيشها اليوم في بلادنا.

الرياض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى