رأي

العيب السائل ! … عبدالعزيز اليوسف

•هناك انفصال معنوي هائل بين الواقع والمفروض حيث يهيمن ما يحدث ويحصل على ما يفترض أن يكون ويحدث.. وتتشابك الغايات لدى الكثير بسبب صناعة مبررات واهية تقحم كل طرف في دوائر الواقع وعزلها عن المفروض..

ويبرز موت القناعات الراسخة بطغيان الشواهد الكثيفة.. ويصبح أحدنا ضعيفاً أمام طوفان الواقع الممتلئ بالفتن والغرابات.. وتحيا الأفكار السخيفة في ظل الملذات، والشهوات الجارفة نحو زوايا التلاشي.

إن حالة البعض تكمن في دخوله مرحلة السيولة الواقعية التي سلّم بها ويصبح أسيراً للواقع وإكراهاته، ولم تعد نفسه بقادرة على إنتاج ذاته الحقيقية التي ترسم الغايات السامية، والمثاليات الجميلة.

اليوم حدث الواقع هو ما يشكّل قناعات البعض ويصنع شخصيته المتهالكة.. فالاحتكام للواقع هو وسيلة الكثير إلى تبرير أفعاله.. ببساطة ستجد أحدهم سيقول: هذا الواقع، هذا “اللي صاير”، وهذا أغلب ما يحدث، وهذا المجتمع.. من دون أن يراجع دينه، قيمه، وحقيقته ليحكم على ما يتوجب ويفترض حدوثه لا ما هو حادث.

العيب السائل (الخطأ، الباطل، الحرام) هو أحد منتجات سطوة الواقع على عقولنا، وسلطته على قلوبنا.. لذا فالسائد يمسي عند الكثير أنه الحقيقة والمفروض بسبب انتشاره، واتساع رقعته حول الباحثين عنه.. أما الحقيقة هي المستورة التي لم يرها الكثير الغافلون عنها فيكون العيب سائداً وواقعاً كونه منتشراً، ويضحى الباطل حقا كونه مستباح، ويصير المرفوض حقيقة كونه بارزاً، ويغدو الخطأ عادة كونه ظاهر.. من هنا تكثف العيب (السلوكي، العقلي) حولنا من دون أن نشعر.. فألفينا أناساً يصفون العيب والخطأ والباطل بغير ما يستحق تبديلاً في المفهوم، وتحويلاً للقيمة كل ذلك دفاعاً عن خيارات الذات العليا.

ونتج عن هذا أفول البصيرة، واغتلاق الوعي وزاد الهاجرون والمعرضون عن الفهم فصار واقعهم هو الواقع الذي ينظرون منه لحياتهم، ويحتكمون به في خياراتهم.

إن غياب التبصر في الأمر غلبه الظن السائد الكاذب، وسببه الشر الناعم الذي يتسلل لكي يحّول الأنا داخلنا كاستراتيجية في الحياة، فتنعدم الاستجابة العقلية، ويتخدر الوازع الديني أولاً، ويكسل الوازع القيمي ثانياً.

ونتأمل هول العيب السائل حين يتحرك بسلوكنا وفق ما تمليه المصلحة الخاصة أو مبدأ السعادة الخاصة بنا.. فيكون واقعنا هو المشّرع لتصرفاتنا، والحاكم لأخلاقنا بسبب أن نظرتنا للعيب تمثلت في اشباعات المنافع اليومية.

ويبقى القول: من الجهل أن نصف الباطل حقاً، والخطأ صواباً، والشر خيراً، والعيب عادة فقط لنرضي ذواتنا المتأزمة بالشهوات..الحكمة والعقل يدعو العقلاء أن يصفوا ذلك بما يستحق حتى لو اقترفوه.. ويتوجب أن نوقظ الحاسة الخلقية التي تملك وحدها القدرة على تجاوز الواقع وتجميد العيب السائل.

الرياض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى