رأي

ثقافة على عتبة مقهى … عبدالعزيز اليوسف

•كوب قهوة فاخر.. مقهى “ماركة” لامع الاسم في شارع يتبرج بالأضواء.. ويتزين بالزحام، ويتلطخ بأوقات الغرابة.. فتى أو فتاة يمخر أحدهما عنان الزيف، وتعقده الظنون بأن رائحة القهوة السريعة النافثة والنفاذة هي مفاتيح “الواو”، وكوب متورم بـ”اللاتيه” هو علامة الثقافة، وآخر متشبع بـ “الموكا” يصبغ عقل حامله بأنه قارئ كاتب.

تراتيب الصباح عشق قهوة.. مشروب ساخن ملمع بالأنا، يغتال بعض العقول بالعشق الموهوم على أطراف الضوء.. لا يحتمل أن يخرج إلى عمله إلى بعد أن يجلد ذاته في طابور ممتد لمسافة بعيدة.. ولا يحلو صباحه أو صباحها إلا بقطعة كعك.. وشذى مشروبه الساخن.. ولا تسمو هي أو يسمو هو بالمشي في دهاليز العلم، أو الدخول في قاعات الدراسة إلا برفع الكوب المقدس لديه.

تتساءل: هل العقول مخرومة لدى هؤلاء، أم نحن خارج الوعي، أم أن الثقافة المزعومة لديهم تنمو على عتبات المقاهي حقا؟ لا تجد إجابة مقابل مشاهد الاهتزاز الذاتي عند الكثير.. وأحيانا تتأكد أن المرء كلما تغذى تقليداً، وشبع محاكاة، وحبس نفسه في مقارنة الأنا تتأكد أنه مهزوم من الأساس بلا معركة.. ومستسلم لمجريات للواقع بلا وعي، ولا بصيرة.

إن كان البعض وهم كثر لديهم ألوان من الميل باتجاه ثقافة بالية.. فمشكلة بعضهم ربط سلوكهم بحقيقة الثقافة، وصورة المثقف “الجنتل”.. وأدرك تماماً أن هناك توجيهاً قاسياً من قبل بعض العقول المنتسبة للطيف الثقافي فهم يعيشون واقعهم فقط لكنهم بعيدون جداً، ومنفصلون عن الواقع الحقيقي.

تتأمل تجد أن الحدث التقني، والاشتهاء التواصلي المتنوّع أحدث ثورة نفسية ومعلوماتية اعتبرها البعض الليّن قفزة إلى الأمام.. وأجدها قفزة إلى الخلف في واقع تعيش فيه الثقافة المجردة عزلتها وضعفها حين سمحت لمدخلات ودخلاء الوهم بالولوج إلى عالم مرتبك بين موروث ثقافي مؤطر بأطروحات مثقفين متجمدين، وبين مستجدات لا يطولها عقل بفهم، ولا يصلها خيال بفقه.

اليوم للأسف يتجلى مفهوم الثقافة الصناعي في الرغبات الخشنة لدى ذات تائهة في محيط “التلبك” العقلي، والخيارات الفردية القاتمة.. وحين امتزجت ثقافة الفرد بـ “البرستيج” والخفة تكثف المثقفون بيننا.. فحالات الادعاء فاقت التصور.

اليوم أولئك يريدون أن يكونوا مثقفين بأي شكل فقط لمجرد أنهم يمارسون طقوس القهوة والمشروبات الساخنة.. ظنوا أن “ديكنز” و”وروسو” و”دويل” وغيرهم صنعوا أدبهم بفتات كعكة سوداء، وثقافتهم بمذاقات القهوة والمشروبات الساخنة وكتاباتهم على طاولات المقاهي.

ويبقى القول: بسبب الانفصال الفكري والتباعد الثقافي وتجاهل الإثراء الواجب، والطرح المستوعب.. يكون المثقفون بيننا مسؤولين عن هذا التوعك السلوكي، والهذيان الفكري الذي صنع وعياً لدى أولئك بأن الثقافة يمكن أن تتشابه في الظلام.

الرياض / الأربعاء 25 شوال 1441هـ – 17 يونيو 2020م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى