ثقافة

أسرار علي حامد.. ! قصة قصيرة .. فالح الصغير

    

                           (1)

  يمارس عادته اليومية أمام إشارات المرور، يعدّ السيارات القادمة، إذا تعب جلس على الرصيف المقابل، وأضاف إلىالسيارات العابرين من الرجال والنساء والأطفال والحيوانات، لا يشعر بالملل، لا تهمه الكلمات التي تصب في أذنه، ولا الأوراقالنقدية التي ترمى في حضنه .. مجنون .. الله يعافيه، اغسل ثوبك يرفع طرف ثوبه ويطلق ساقيه خلف الأطفال الذي يأخذون“نعاله” وغترته الملونة ببقع صفراء. عند المساء يحفظ أوراقه في مكان سري، يختفي داخل حارات المدينة، يبحث عن زواج،ضيف دائم لكل زوجات المدينة والقرى المجاورة. يخاف من السيارات، لا يركبها، ولا يقودها، ولا يعرف القريبون منه سر ذلكالخوف، وسر الاختفاء الذي لا يطول، والمسافات التي يقطعها للوصول إلى مكان خاص، يخافون من الدخول، حاول أحدهمالوصول إليه لكنه عاد برائحة كريهة، وصداع طال وقته.          

                             (2)

على غير عادته جلس منذ الصباح الباكر على الرصيف الآخر الذي كان يرف الجلوس عليه بشدة، مدّ قدمه اليسرى وإذا بها“منتفخة” .. أدهش المارة ذلك الانتفاخ.

سلامات، هذه قدم فيل و ليست قدم إنسان. انتبه لا تضربك.

قدمه أكبر من عمود النور المستند عليه، صمت، ترقب، حاول أن ينهض لكنه سقط، صديقه “سعد” اقترب منه ليساعده علىالوقوف دفعه بيده، سقط على الشارع، كادت السيارة تدهسه، بسرعة وقف وغادر المكان دون التفاته إلى صاحبه الذي لم يهمهما حدث، عاد لتسجيل السيارات العابرة وبعض أرقامها، دون سابق إنذار رمى العابرين بحجارة صغيرة كانت في جيبه،صفعة قوية على وجهه، قدم داست على قدمه المنتفخة، سمعه القادمون من بعيد لأول مرة، صرخ،

التفتوا إلى وجوه بعضهم البعض،

بصوت واحد: من؟

علي حامد، نطق، بكى، تمتم، الظهران، الظهران، ماذا يقول ؟

أعاد الكلمة مرة أخرى: الظهران،

أسند رأسه إلى عمود النور، ليت أيام الظهران تعود، في الحارات التي لا تفصلها إلا شارع واحد، على جانبه الأيسر مخبزعباس، والجانب الأيمن دكان علي مسلم، دبجانبه “مغسلة المطار للملابس” في الانعطافة اليمنى مطعم “الأخوين عليوأحمد” أما الانعطافة اليسرى، هناك البلدية والهيئة، يقابلها سوق الخضار، بجانبه سوق آخر للمخابز ومكتبة ودكان لا يبيعشيئا!

يذكر صاحبه “سالم” بجسمه الضخم ولونه الأسمر، وأزراره الملونة وجهاز “الراديو” الذي يسمع فيه الكلمات الرنانة، وشعاراتتجعله يفكر حتى يغشاه النعاس، وينام في النصف الآخر من دكانه، في الجانب الآخر من السوق دكان “أبو حجي” الذييحتوي علي كل شيء، السوق الثالث يعرف باسم “الجبرة” يضم ملابس و “بوفيه” وغرفا للنوم، يقابله المسجد المحاطبالحدائق من الجهة اليسرى.

في الحديقة الكبيرة الواقعة بجانب المحكمة، يلعب الصغار، والشباب كرة القدم، يجاورها مكان مبنى من الصفائح، مساحته لاتزيد على خمسة أمتار، يبيع المرطبات وقطعا من “الكيك”المجلوب من “كانتين أرامكوا”.

الساحة المقابلة للحي الشمالي ينام فيها أهل السوق، صيفا، يبحثون عن نسمات باردة ليلا بعد رشها بالماء البارد، “في تلكالساحة، حين ينام النائمون بصمت وأصوات أحلام مختلفة.

الشارع الطويل الذي يقسم الأحياء نصفين يمتد من الجبل إلى البر، تعيش بين جنباته الحكايات والأفراح والأحزان، تجمعهاروح أسرية.. تساءل وقدمه ممدودة:

أينها الآن ؟

لا يرى أمامه إلا شوارع وأحياء الظهران، اختلفت إشارة المرور والعابرون بسياراتهم وأقدامهم، أوراقه ما زالت في جيوبهتحمل أعداد السيارات وبعض أرقامها، والمارة.

لم ينس الأوراق الأخرى، ضغط علي جيوبه خوفا من متطفل يخطفها ويعرف الآخرون الأسرار، ومنها سر قدمه المنتفخة..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى