رأي

الأثر الاقتصادي للتعليم … د/ محمد بن عبدالرحمن المقرن *

عانى سوق العمل في المملكة، خلال العقود الماضية، من غياب السياسات الرابطة بين التعليم والاقتصاد مما نتج عنه معدل مرتفع للبطالة بالتزامن مع استقدام آلاف العمالة الوافدة، حيث يوجد نوعاً من الخلل في عملية ملائمة القوى العاملة السعودية من حملة الشهادات الجامعية ومتطلبات سوق العمل. ومن المعروف أن احد أهم الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات البطالة في أي مجتمع هو عدم ملائمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل.
كان التعليم ،ولا يزال، أحد الأسباب الرئيسية في إحداث النمو الاقتصادي والتنمية في الدول الأكثر تقدماً في عالم اليوم، لأنه الأداة الأساسية التي يُستعان بها للحد من الفقر وبناء أساس قوي للنمو الاقتصادي المستدام، وبالتالي فإنه لابد من تطوير نُظم التعليم لإحداث نمو اقتصادي يتبعه تطور في مستويات التنمية الاقتصادية إجمالاً. فقد أثبتت التجارب وجود علاقة وثيقة بين مستوى التعليم وأداء اقتصاد معين، حيث تميل المجتمعات ذات المستوى التعليمي العالي إلى أن تكون أكثر إنتاجية لقدرة القوى العاملة فيها على القيام بالمهام والأدوار المطلوبة نتيجة لوجود نظام تعليمي تتوفر فيه الكفاءة والفاعلية. كما أن هناك علاقة وثيقة أيضاً بين مستوى التعليم والبطالة، حيث نلاحظ أن المجتمعات المتعلمة تنخفض فيها مستويات البطالة بشكل كبير مقارنةً مع غيرها.
قامت الحكومة السعودية، خلال السنوات القليلة الماضية، بالعمل منهجياً وميدانياً لوضع الأُسس والسياسات الرابطة بين التعليم والتنمية والتنويع الاقتصادي والنمو الاقتصادي، ووضع الخطط لتنفيذها ورصد الأموال اللازمة لها حتى لا تتوقف. كان ذلك ضرورياً للارتقاء بمرافق التعليم وكذلك للتوسع في بناء مدن جامعية بحيث لا تخلو منطقة إدارية في المملكة من جامعة حكومية واحدة على الأقل، فضلاً عن توفير التجهيزات والتقنيات اللازمة لعملية التعليم. كما تقوم الحكومة في الوقت الحاضر بالتركيز والسعي لتطوير نظامها التعليمي من أجل المساعدة على تحقيق أهدافها الاقتصادية، انطلاقاً من أن هذه الأهداف تعني الاستقرار والازدهار والتطور للوطن والمواطن، فهي أهداف اقتصادية محورية تركز على حاضر ومستقبل المجتمع السعودي حيث يحظى التعليم بدعم حكومي مستمر يمكن تقديره وملاحظته من خلال متابعة ما يخصص لتنمية الموارد البشرية في خطط التنمية أو ما تستأثر به قطاعات التعليم من الميزانيات العامة للدولة، هذا بالإضافة إلى الاعتمادات المالية التي يتم توفيرها للتعليم خارج إطار الميزانية العامة.
افترضت معظم النظريات الاقتصادية أن رصيد الموارد البشرية مكون أساسي في عملية النمو الاقتصادي، وتحديداً فإن التعليم يمكن أن يساهم في إحداث النمو الاقتصادي في اتجاهين: أحدهما، بشكل مباشر من خلال تطوير إنتاجية الفرد، والأخر، بشكل غير مباشر بتطوير المعرفة التقنية ضمن مجموعة كبيرة من العوامل غير المباشرة الأخرى. الأثر المباشر للتعليم في النمو الاقتصادي يتحقق من خلال تحسين وتطوير إنتاجية القوى العاملة، إذ لا يوجد خلاف بين الاقتصاديين عن وجود دور مباشر للتعليم في النمو الاقتصادي. للتعليم مساهمة مباشرة في زيادة الدخل القومي في أي دولة، وذلك عن طريق رفع كفاءة وإنتاجية الأيدي العاملة، وأن تلك المساهمة إيجابية، مما يعني أن النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول مرتبط بقدرتها على إعداد وتنمية المورد البشرية، فهناك علاقة قوية بين التعليم والدخل على مستوى الفرد والدولة.
لابد من الأخذ بعين الاعتبار، أن تأثير التعليم على النمو الاقتصادي يعتمد على شروط أساسية، بمعنى أنه لكي يكون للتعليم تأثير إيجابي على الاقتصاد، لابد من الوصول إلى مستوى معين من التنمية. والمقصود هنا هو توفر الإمكانيات التي تصنع البيئة التعليمية المناسبة كالمؤسسات والهيئات القادرة، والقوانين المُنظمة لعملية التعليم ….الخ. وإذا لم تتوفر هذه الشروط الأساسية فإن تأثير التعليم على النمو الاقتصادي سيكون عديم الفائدة. ولتحقيق هذا الغرض، قامت المملكة العربية السعودية، خلال السنوات الماضية، بتوفير معظم الشروط الأساسية اللازمة للنجاح في هذا المضمار، حيث أدركت المملكة مدى أهمية نظام التعليم القوي وقامت بتنفيذ إصلاحات وأنشأت هيئات رقابية متعددة لتحسين الهيكلية العامة للتعليم بما يتناسب واحتياجاتها الاقتصادية.
بالنسبة للمملكة، يبقى الاستثمار في التعليم هو المحفز الأكبر لكي يســاهم القطاع غير النفطي في الناتــج المحلي الإجمالي. وبما أن الأنفاق على التعليم، يأتي في المقدمة ويمثل الأولوية الأولى ضمن سلم أولويات الحكومة السعودية، فإن مستويات معدلات الإنفاق التعليمي في المملكة أصبحت تتسق مع ما توصي به المنظمات الدولية المتخصصة مثل اليونسكو، بل أخذ يتجاوزها في السنوات الأخيرة، ليقارب معدلات ما تنفقه دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة الدول ذات الاقتصاديات الأفضل أداءً وتنافسية في العالم.
كان ولا يزال أثر الانفاق الحكومي على التعليم في السعودية واضحا في تحسين أجر الموظف او الفرد العامل. ومن المتوقع أن يتزايد الطلب في المملكة على نوعية التعليم الأفضل وهذا ما سيؤدي إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعديد من الشباب السعودي إلى الأفضل مستقبلاً، نتيجة الإنفاق الحكومي الهائل على التعليم. لكن هناك بعض الظواهر السلبية التي يمكن ملاحظتها، وتتركز في عملية اتجاه الشباب على نوعية معينه من أنواع التعليم خصوصاً الأكاديمية، وإهمال التعليم والتدريب الفني الذي ينمي ويطور المهارات والقدرات الذاتية للطلاب.

dmmugren@hotmail.com *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى