الكورونا وتطوير التعليم … د/ محمد بن عبدالرحمن المقرن*

     في هذا الوقت الذي ضرب فيه وباء كورونا جميع دول العالم وأثر سلباً على أداء معظم أنظمتها ومؤسساتها التعليمية والاقتصادية والصحية وسبب لها معاناة حقيقيّة، بدأت هذه الدول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إعادة ترتيب أولوياتها واحتياجاتها في ظل هذه الأزمة لتستمر العملية التعليمية وعملية بناء الإنسان حيث لم تقف او تستسلم أمام  العوائق التي سببها هذا الوباء، بل عملت على تحويل الأزمة والمعاناة إلى فرصة لتعديل الكثير من الْأُمُور التي تتعلق بعملية التعليم وأساليبها.      

     الإعلان المفاجئ لتعطيل الدراسة وإغلاق جميع المدارس والجامعات من أجل السيطرة على وباء كورونا ومنع انتشاره، أدى إلى إرباك العملية التعليمية وبالتالي جعل من تطبيق منظومة التعليم عن بُعد ضرورة لا خياراً، فالمؤسسات التعليمية في المملكة، كما في معظم دول العالم، لجأت إلى هذا الخيار من أجل ضمان استمرار العملية التعليمية وتطبيق مناهجها الدراسية المقررة وسد أي فجوة تعليمية قد تنتج عن تفاقم هذه الأزمة.  

     التعليم عن بُعد هو نوع من أنواع التعليم عبر الإنترنت يشتمل على كافة العناصر التعليمية، كالطلاب والمعلمين والمناهج وغيرها من العناصر، ويُعد حل مثالي للطلاب الذين لا يملكون الوقت الكافي لحضور الدروس والمحاضرات في قاعات الدراسة خصوصاً الموظفين وسكّان المناطق النائية او من لا تسعفهم الظروف للتواجد في قاعات الدراسة. 

     لجأت وزارة التعليم لطرح مفهوم التعليم عن بُعد مستغلة الظرف الاستثنائي من أجل تعويض الطلاب وعدم اهدار فرص التعليم أمامهم، وهو أمر إيجابي يحظى بالتقدير لأنه يقدم بديلاً عن التعليم التقليدي ويخفض كثيراً من كلفة عملية التعليم ويقلل من عناصرها وأدواتها التقليدية وألمتعددة. 

     هذه المنظومة التعليمية، تُعد نوعاً ما، تجربة جديدة على كل من الطالب والمعلم على حد سواء، فهي تجربة قد تحمل معها بعض الخطورة لكن لها ايضاً جانبها الإيجابي، فهي تكشف الكثير من الحقائق عن واقع نظامنا التعليمي الحالي وبالتالي قد تحمل العديد من الفرص لإصلاحه وتطويره كنتيجة طبيعية للدراسات والمكاشفات والتقييمات التي يقوم بها المسؤولين عن التعليم. 

     بعد أن كان اسلوب “التعليم عن بُعد” قراراً شخصياً لبعض الطلاب حتَّمته ظروفهم الخاصة، اليوم وبسبب أزمة كورونا، أصبح التعلم عن بُعد واقعاً ملموساً نعيشه في ظل قرارات تعليق الدراسة، وبالتالي أصبح لدينا مفهوم ونمط جديد للتعليم، تقع فيه معظم المسؤولية على عاتق الطالب والأُسرة، مع الأخذ في الاعتبار أن متطلبات التعليم عن بُعد تُعد مرهقة للعديد من الأسر، خصوصاً الفقيرة او تلك التي تعيش في المناطق النائية.

     معظم الجامعات السعودية في وقتنا الحاضر تمتلك منظومة للتعليم الإلكتروني او التعليم عن بُعد ولديها عمادة مختصة بهذا الشأن، هذا اضافة إلى الجامعة السعودية الإلكترونية القائمة على فكرة التعليم عن بُعد والتي تضم طلبة يقطنون في مختلف مناطق المملكة ولا يُطلب منهم التواجد داخل الحرم الجامعي لكن ومن خلال الأجهزة الإلكترونية يستطيعون حضور المحاضرات والمشاركة بها بشكل تفاعلي، وكذلك تقديم الاختبارات وتصحيحها إلكترونياً.  

     تعطيل وإغلاق المدارس، وضع الملايين من الطلبة والمعلمين، ليس في المملكة فحسب بل حول العالم ايضاً، وجهاً لوجه أمام منظومة “التعليم عن بُعد”، وبالتالي هناك العديد من التساؤلات والاستفهامات التي تطرح نفسها في هذا المجال وهي: 

هل لدى المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات الجاهزية والمقدرة على تطبيق هذا النوع من التعليم وهل يملك الطلاب والمعلمين الاستعداد الذهني والنفسي لتقبل هذه الفكرة؟ وهل هناك الوعي الكافي والاستعداد لدى الطلاب لمواجهة هذه المنظومة التعليمية بأدواتها ومتطلباتها التي تُعتبر جديدة عليهم نوعاً ما؟  

من المفهوم تماماً أن الأزمة كبيرة وعملية إدارتها معقدة جداً، وقد أبدت الأجهزة والمؤسسات الرسميّة إيجابية عالية في التعامل مع تبعاتها لكن الكثير من التفصيلات يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، منها: 

صعوبة التقييم وتطوير معاييره. 

الحاجة لوجود كادر مؤهل ومتخصصين قادرين على إدارة أنظمة التعليم الإلكتروني. 

العمل على عقد دورات تدريبية لعدد كبير من المعلمين على استخدام التقنية الرقمية والتدريس من خلالها. 

     وأخيراً، هل نحن على موعد لتوديع منظومة التعليم التقليدي بمكوناتها الكلاسيكية من القاعات والفصول والمعلمين والطلاب والسبورة والإختبارات الورقية وداعاً لا رجعة فيه؟ وهل سنشهد ميلاد منظومة جديدة ومفهوم جديد للتعليم عمادها التقنية الإلكترونية؟

     ردود الأفعال تجاه هذه التجربة الجديدة للتعليم كانت إيجابية بشكل عام، حيث اعتبر العديد من المواطنين أن التعليم عن بُعد تجربة تربوية وفكرية جديدة تستحق النظر إليها بشكل إيجابي، فهي قد تحمل في طياتها فرصة لتغيير جذري في العملية التعليمية ودخول حقبة جديدة يلعب فيها التعليم الإلكتروني درواً محورياً، فمن مميزات هذا الاسلوب أنه لا يشكل عبئاً كبيراً على موازنات المؤسسات التعليمية مثل التعليم بشكله التقليدي، كما لا يُقيد الطالب بالحضور في أوقات محددة سلفاً، بل يترك له حرية إختيار الوقتِ الذي يلائمه. 

لكن هناك من الطلاب من يرى أن بعض التخصصات الجامعية من الصعب إخضاعها  لاسلوب التعليم عن بُعد بسبب احتياجاتها للتطبيقات العملية في المختبرات، ويبدو أن هذه النظرة سببها محدودية البرامج والتطبيقات التقنية التي تستخدمها الجامعات، لكن يُمكن للجامعات الحصول مستقبلاً على تطبيقات متقدمة في هذه التخصصات تُلبي متطلبات واحتياجات طلابها.  

⁦dmmugren@hotmail.com⁩*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى