صحة

إضطرابات النوم .. تُعرقل نهار الغد !!… ا/ ولاء بنت متعب الحربي*

 

إن تطور المجتمعات في القرون الأخيرة وسرعة وقوع الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية في حياة الإنسان، جعلته يقع تحت وطأة الضغوط النفسية والمهنية والاجتماعية لترفع من احتمالات تعرضه لشتى أنواع الاضطرابات النفسية أو الجسمية التي اتخذت أشكالا وصورا مختلفة، وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من (500 ) مليون شخص يعاني من أحد أنواع الاضطرابات النفسية بمختلف أنواعها.

فمنها اضطرابات النوم فاإهتم الإنسان بها منذ زمن بعيد، فقد جعل له قدامى اليونـان إلهـاً هو (هبنوس Hypnos ) توأم الموت . كما كتب (أرسطو) فصلا عن النوم ، والنوم لدى المسلمين هو الميتة الصغرى ( وَهُـوَ الـذي يَتَوَفَّاكُـمْ بِاللّـيْلِ )، كما لوحظت مشكلات النوم منذ أقدم العصور ، فمشكلة الأرق مثلاً لها تاريخها القديم ، وقد اُستخدم التعذيب بالأرق في العصور الوسطى لإجبار السجناء على الاعتراف، أو لطرد الشياطين من أجساد البشر. ولكن الدراسة العلمية للنوم لم تبدأ بـشكل مـنظم إلا منـذ الخمسينيات من القرن الماضي، حيث دُرِس النوم في معامل مجهزة بجهـاز الرسم الكهربي للمخ(EEG)، والذي يسجل مختلف الموجات أو الإيقاعات الصادرة عـن المـخ )، و يمثل النوم أهمية كبيرة في حياتنا الصحية فهو ضروري لعمليات نفسية كثيرة ، حيث يأتي كحاجة ضرورية نتيجة لممارسة نشاطات نفسية و فسيولوجية في النهار يفيد في إعادة بناء العمليات العقلية لتهيئتها للعمل، فـ قلته
يؤدي إلى اضطراب العمليات النفسية المختلفة مثل قلة الانتباه وقمة التركيز وضعف التذكر وتشويش الفكر.

فإن لعالمنا دوره تشبه الليل والنهار مدتها(24ساعة) وأجسامنا تتوافق بيولوجيا مع هذا التوقيت، ففي وقت متأخر من الليل وفي ساعات الصباح الأولى تكون درجة حرارة الجسم في أدنى مستوى لها، سواء كان الفرد نائماً أو مستيقظا ويكون النشاط العقلي في ادني مستوياته ثم يزداد بقرب الفجر. والنوم جزء ضروري من هذا التوافق، والوقت الطبيعي في ذلك الجزء من الليل حيث أن كل النشاطات الحيوية تبلغ أدنى نقطة في نشاطها . والإفراد الذين يبقون مستيقظين أثناء الليل (سواء للعمل أو لحضور مناسبة ما) يتجاهلون متعمدين ساعاتهم الداخلية العامة (الساعة البيولوجية) في أجسامهم و يجدون صعوبة في أن يظلوا مستيقظين يؤدون أعمالهم بإتقان طوال الليل لان أجسامهم مهيأة بيولوجيا ً للنوم في الليل واليقظة في النهار .

بالمقابل فرط النوم ، أو كثرته تعبيراً عن صراع نفسي أو هروب من واقع معين ، فينام الشخص نوماً عميقـاً في المواقف الحياتية الضاغطة التي يمر بها.

ينام الفرد ما يناهز ثلث حياته لذلك تُقدر نسبة عدد المصابين بأحد اضطرابات النوم حوالي (35 %)،
فالمجتمع العربي لـم يعد يخلو منها فهي منتشرة في السعودية وغيرها من البلدان العربية بسبب تأخر أوقات النوم والارتباطات الاجتماعية والالكترونية المختلفة، والتي عادة ما تبدأ في ساعة متأخرة من الليل، ولا يقتصر عدم انتظام ساعات النوم والاستيقاظ ع الكِبار كذلك صغار السن الذين يحتاجون إلى ساعات نوم أطول لاكتمال النمو والنشاط، لتعزيز التعلم الجيد.

ولذلك إن من أهم الإجراءات السلوكية العلاجية التي قد تساهم في التخلص من اضطرابات النوم تمارين الاسترخاء سوا عضلياً أو عقلياً، تمارين التنفس البطني العميق، و استخدام أسلوب المكافئة الذاتية عندما ينجح الفرد في إحداث تغيرات للتغلب على مشكلات النوم لديه، حقيقة فإن لكل فرد حاجة محددة للنوم بحسب أسلوب حياته ونشاطه.
فـ لنعش داخل رؤوسنا لا بخارجها بنوم كافي عميق لنزهر لنهار الغد المنتظر.

wala76@gmail.com

*اخصائي اول في علم النفس العيادي

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى