نبي التأمل.. نبي الأسئلة … حوراء رضي

مسيرة حياة النبي إبراهيم رحلةحج متكامل، حج عقلي لضرورة فهم تفسيرات للحياة، التي تترك فيها عقلك ينساب بخفه حيث يحب. وماذا يهوى العقل أكثر من طرح الأسئلة؟!

تأملات في الكون، تساؤلات تتبلور شيئاً فشيئاً، حجج تطرح وتفند.
‏ما فعله إبراهيم من ترتيب مقدمات الاستدلال على وجود الرب كقوله مثلاً الأجرام السماوية ليست بإلهاً، لأن الإله لا يغيب، فالمسلمات العقلية تقتضي أن الرب لا يزول.

وما فعله في موقف آخر، من هدمه لمسلمات قومه، من خلال إثبات أن إلههم لم يصد الأذى عن نفسه، ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ هوتسجيل أروع جدل منطقي للتاريخ، حيث الصنم المهيب غرق في صمته ، وغرق قومه معه.

لتبدأ بعدها رحلة التسليم لله، ترقي مستمر ومراتب تطوى، التجربة وحدها تبصر الإنسان بنفسه. فنحن بخلافه، غافلون لدرجة أننا نادراً ما نستطيع الالتفات لمغزى الأحداث في وقتها.

لكنه مُسَلْم بحق، إبراهيم الذي كان عقلاً متوقداً يُحاجج ويفند، ويربط السبب بالمسبب، سلم عقله، وخطى بقلبه تجاه محبوبه، فالإيمان عقل وقلب ،الإيمان بصيرة ثم غرق واستلام للإرادة الإلهية.

‏ ترك هاجر وإسماعيل من غير راعٍ، مع مصير مجهول، تركز قلبه هناك، مناجياً، راجياً لهما السلامة.

‏ ملحمة سطرها بانسجام مدهش، لكثرة تفاصيلها وتحولاتها ، وملحمة كهذه لا تكون خاتمتها خافتة أبداً ، يليق بها ذروة التسليم وهذا ما حدث.
‏ لكن كيف واجهته معضلته؟!

‏ قاوم الرغبة في حسم الأمر رغم الحيرة، تأمل … وتأمل ، كثف كل انتباهه للإرادة الإلهية.
‏ وكيف أن تصَوُر النهاية حرك بداخله كل شيء، لذلك اختار بعناية وبصبر نهاية توحيده.
‏ إبراهيم رحلة الحج الكاملة، قصد ونية، طواف وسعي وطواف، نحر ما سوى الله في سبيل الله.

‏ و حجه هذا ليس من القصص التي لا تصلح لإعادة القراءة، بل العكس.

الحج مكه ومابعدها .. حج عقليًا وروحيًا، ولكن قد تتساءل: كيف تحج؟

‏ واجه نفسك بصراحة، صراحة تامة لا يشوبها لبس، حتى تتمكن من صياغة قضاياك، إذا وجدت نفسك تمتنع عن الإجابة عن الأسئلة الكبيرة فأنت لست جاهزاً بعد.

لا تكن من ‏ هؤلاء الذين لا يمتلكون الجرأة في النظر لأسئلتهم، ويبقون مختبئين خلف ستار ما يريده المجتمع.

فهؤلاء غير قادرين على تلمس المناطق العميقة في ذواتهم، إلا في لحظه انخطاف سريع وعابر في بعض أوقات الحزن أو الفرح.
‏ كيف تعرف أسئلتك؟
‏ كل إنسان له تساؤلات مختلفة، لا تتكون في يوم واحد، ولا تكون واضحة له كسؤال جاهز، بل إنها مراحل عدة، تتبلور من خلالها القضايا التي تعنيه .
الشجاعة وحدها هي من تمنعنا من التوقف عن البحث، ولكن ما الذي يدفعنا دائما للبحث؟؟!!

المعاناة؟!
ربما الأمل، بأن الأمر أكبر من ذلك، فنحن نعرف بديهياً أن هناك مكان ما يحمل أجوبة مطلقة. نتعثر ونصل لطرق مسدودة كثيراً، ربما لأننا لا نستطيع إدراك جوهر المشكلة

تلك الكامنة في إيماننا بالكثير من المعتقدات التي تحجب عنا ما هو ظاهر فعلاً .

أسأل بشجاعة، فهي وحدها من تملك قوة تحويل قصتك ، وآمن بعمق وسلم ، سلم بفهم، الكثير منا يتبعون طرقا روحانية ، لكن القليل يستطيع إدراك الحقيقة لماذا؟

أعتقد من أن المشوشين والذين لا يركنون للأجوبة الواضحة والسهلة، هم من يستطيعوه الوصول لمرحلة عاليه ، لأن هذا التشوش قد يكون درعهم ضد الإجابات الميتة ليتحرروا.

هذا لان الحج في معناه العميق رحله نحو الداخل والتذكير بالحقيقة الأعمق ، أهمية العبادة بالفهم والتسليم للقدرة الإلهية ، لأن الله لم يرد ذبح إسماعيل، ولاكن أراد منتهى التسليم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى