هل أصبح كيل الشتائم ثقافة وأسلوب حياة ؟! … د. محمد بن عبدالرحمن المقرن *

من منا لم يسمع بقصة أشعب الطماع حينما التف حوله مجموعة من الصبيان فأراد إن يتخلص منهم فقال لهم: أترون بيت فلان، قال الصبيان نعم، قال اذهبوا فإن به وليمة، فانصرف الصبيان مسرعين، ثم لشدة طمعة قال وما يدريني فلعل في تلك الدار وليمة حقاً فذهب مسرعاً وسبقهم إليها، يعني أنه كذب على الصبيان ولشدة طمعه صدق نفسه، تذكرت هذه القصة بعدما شاهدت ما يقوم به البعض من المُستعربة ومُدعيّ العروبة الذين يزايدون على العرب الأقحاح في عروبتهم وشهامتهم ومواقفهم الوطنية.
قد تتكون لدى البعض، ومعظمهم من المُغيبين عادةً، صورة ذهنية خاطئة او مغلوطة عن الأخر اكتسبها خلال مراحل حياته، او نتيجة لمعاناة من قصور في الفهم او الإدراك، وهذا ما حصل مع الوزير اللبناني شربل وهبة، حينما قام بكيل الاتهامات لبلادنا، ووصفنا بالبدو ظناً منه أنه بذلك يُهينُنا وينتصر لنفسه ولاتجاهاته وأهوائه السياسية.
اصبح الشتم والاستهزاء ثقافة يمارسها من يدّعون أنهم إخوة لنا، يمارسونها تجاه المملكة ومواطنيها في كل مناسبة، بل نلاحظ وبكل وضوح نبرة الاستعلاء والتكبر بين كلماتهم، يشتموننا ويشككون في تصرفاتنا ويحاسبون أفكارنا ويغوصون فيها تحليلاً حسب أهوائهم، يتشدقون بالعروبة ويزايدون علينا في عروبتهم، يريدون أن يظهروا امامنا بمظهر الكبار وأن نشهد لهم بتفوقهم وعلو كعبهم.
تظهر لنا في كل يوم حالة من تلك الحالات التعيسة ومن أشخاص وكيانات وقفنا بجانبهم وكنا نحسبهم أشقاء لنا تربطنا بهم رابطة الدين والعرق واللغة، ينعتوننا بالبداوة والتخلف والرجعية، شتائمهم تتجه نحونا، بكل وعي ودون أي رادع من دين او خُلق، كالأعاصير والأمواج العاتية، يمارسون بحقنا ثقافة الكراهية والإقصاء، يحملوننا اسباب فشلهم وتعاستهم و يقابلون الإحسان بالنكران ويعبرون عن مكنوناتهم تجاهنا بألفاظ سوقية مقيتة تصل لحد الإسفاف والسماجة، بل وتظهر من خلالها رائحة الكراهية والحقد، هؤلا ينطبق عليهم المثل المعروف “كل إناءٍ بما فيه ينضح”، لكن من الذي ملاء إنائهم بهذه الأحقاد؟
من المعروف أن الإنسان يكتسب مركزه ومكانته الاجتماعية من خلال حكمته ورجاحة عقله، لكن في الكثير من المواقف يخرج علينا من يخالف هذه القاعدة الأخلاقية فيُقيّم مواقفه من خلال ممارسة ما يُسمى ب “السلوك النمطي” فيقوم بإطلاق مفاهيم او احكام عشوائية لا تخضع لأي معايير علمية او مهنية او حتى معرفية على كل من يخالفه او يختلف معه دون أدنى دليل على صحة احكامه.
المُتمعن في هذا السلوك العدواني، يلاحظ أنه لا يصدر من بعض الجهلة او العوام فقط بل ممن يُطلقون على أنفسهم صفة مفكرين ومثقفين وأٌدباء، ومن خلال قنوات رسمية يمارسون تنمراً ثقافياً وحضاريًا بغرض التقليل من شأن الأخر وقيمته وهضم حقه، يمارسون هذا في العلن، فكيف ما يقولونه في مجالسهم الخاصة.
التهجم على عقيدتنا وقِيمنا يبين لنا بكل وضوح مدى العُهر السياسي والثقافي ومدى التخلف والصراع الفكري الذي يعيشونه ويُعانون منه، والمُتمعن لما يصدر منهم تجاهنا من افعال واقوال، يلاحظ أن ما يحصل ليس مجرد حدث عابر، إنما هو عمل عدواني مُمنهج ومُخطط له.
اطلاقهم للشتائم وممارسة الردح والتقليل من قيمة انجازاتنا والتشكيك في مواقفنا الوطنية، بل والوقوف مع أعدائنا في كل قضية تمُس مصالح بلادنا وأمننا القومي اصبح سمة من سماتهم، فبلادنا ضربت أروع المُثل في البذل والعطاء والوقوف مع أشقائها وقت المحن، فهي لم تنسى أشقائها أبداً، فالتاريخ خير شاهد على مواقفها النبيلة ووقوفها إلى جانبهم والمسارعة في تقديم يد العون لهم حتى لو كان ذلك على حساب مصالحها الوطنية.
قد يتسأل البعض عن السبب الذي يدفعهم للاستمرار في مواقفهم المُشينة تجاه بلادنا وتكرارها في كل حين وفي كل مناسبة واطلاق الاتهامات الباطلة مع معرفتهم ويقينهم التام بعدم صحتها ومُجافاتها للحقيقة والواقع؟
إن هؤلاء، وبسبب ظروف سياسية واجتماعية وثقافية عايشوها في محيطهم الجغرافي خلال القرن الماضي، وتأثير التيارات اليسارية وانظمتها وأيديولوجياتها المعادية للدين والتقاليد والأعراف، تسببت في تشويه افكارهم ومُعتقداتهم مما أدى إلى انسلاخهم عن جذورهم وثقافتهم وفقدان بوصلتهم وهويتهم، فتعددت ولاءاتهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم، فهي إذاً حالة نفسية رسّخت فيهم بُغض كل من يخالف افكارهم او لا يتماهى معها، إنها حصيلة العقلية التي نشأوا وتربوا عليها، فهي سلوكيات وأدبيات ادمنوا ممارستها ويصعب عليهم الانعتاق او التخلص منها.
وهرباً من محاسبة انفسهم على تقصيرهم وتبريراً لتخاذلهم وتراخيهم تجاه أوطانهم، أصبحوا يتهمونا بالخيانة والعمالة وينعتونا باوصاف الجهل والتخلف، وهي ما يُعرفها علم النفس بأنها عملية الاسقاط، وكما قال الشاعر : “رمتني بدائها وانسلت”.

dmmugren@hotmail.com*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى