رأي

المتوحشًون ! …. يوسف الكويليت

 

علماء الجريمة عجزوا عن تحديد أسبابها ودوافعها، رغم أن هناك من نسبها للمناخ والجغرافيا، والعرق والبيئة، وكلها توصيفات أكثر منها حقائق، كذلك تختلف الجريمة من فردية إلى جماعية إلى جرائم دول مثل الفصل العنصري، لكن المجريات التي تحدث في مجتمعنا العربي ثم الإسلامي اتخذت شكلاً مغايراً، إذ إن محددات الجريمة باتت تلبس عباءة الدين، والدوافع لم تكن أسباب فقر وجهل، أو صدمات نفسية، فقد تكون كل هذه هي الحوافز، لكن معظم من خضعوا للمناصحة أو التشخيص النفسي والدراسات الاجتماعية اختلفوا بالدوافع ومتغيراتها من فرد لآخر، لكنها تجمع أن العامل الديني هو المغري الأكبر..

حوادث الأيام الماضية سجلت تفجير طبيب لنفسه، وتهريب امرأة لأطفالها، وقبل ذلك مع بدايات موجة الإرهاب التي ضربت مدننا ومؤسساتنا، شاهدنا صورة مجرم يحتفظ برأس رجل أمريكي في ثلاجة منزله، وآخر يحمل طفلاً في سنواته الأولى يحمل رشاشاً، ويرفع الأب علامة الانتصار «V».

تكررت الصور التي تناقلتها وسائل التواصل والإعلام السريع، رأس قتيل يحمله طفل، وأب يحمل الرشاش وخلفه علم داعش، وآخر يخطف طفلين من أمهما ويفاخر بنشر صورته معهما وهما يحملان رشاشين، والأب يرفع سبابة الشهادة..

في فيتنام وزمن حربها مع أمريكا شاهد العالم رأسيْ جنديين يحملهما فيتنامي، وآخر يحمل في كفيه كبدين قال إنه سيتناولهما مع رفاقه وجبة خاصة، وقد أثارت العالم ولكن من فسروا الحادثة اعتبروها حالة انتقام من بربرية الجيش الأمريكي الذي أباد كل شيء تحرقه قواتهم..

وباستثناء حوادث الخوارج لم نعرف في تاريخ الإسلام من ينتقم بهذه الصور البشعة، ويحمل أطفاله وزره، ولم نجد امرأة أو طبيباً، أو مثقفاً ثقافة دينية يحترف الجريمة ويأخذها كسلوك يؤدي إلى الجنة والحور العين، وقد تُبرر لو كانت موجهة ضد عدو يحاربك ويختلف عن دينك وملتك، لكن المستهدفين هم مسلمون ومسيحيون وأتباع أديان لم يشهروا أسلحتهم، ولكن تم اقتلاعهم من منازلهم وحياتهم الآمنة، أو قتلهم..

الحالات المشاهدة قد لا تصل للعشرات، لكن الجريمة حصدت الآلاف، والموقف الإسلامي محتار لم يعد يملك الرادع المعنوي بدراسة بذور من صنع جريمة الإرهاب، ولا من أعطى لهذه الأسباب تفسيراً دينياً، البعض حاول مقاومته والبعض الآخر رآه سلوكاً شاذاً، فيما فريق ثالث صمت عنه مبرراً أن كل فعل له رد فعل مساو له، لكنه تبرير الشريك وهؤلاء هم الأخطر وعنوان الترويج للإرهاب الجديد، وعربياً ساهمت ظروف القهر والبطش والفساد في الدول التي انتشرت فيها مجاميع المنظمات المتطرفة، بوجود بيئة صالحة لها، وخاصة العراق وسورية في قيادة الإرهاب الجديد..

لندع ذلك كله ونرى أن الموقف الدولي يعلن خشيته من انتشار هذا السلوك على أمنه وخاصة دول أوروبا وأمريكا، ولم نجد الشكوى تتصاعد في دول غير إسلامية تؤوي مسلمين لأنهم ليسوا شركاء خطط تعميم الجريمة السياسية والنفسية والمتعمدة في الرقعة العربية، وأسباب الخلط لا يُعزى لتمرير أهداف سياسية فقط، وإنما هو تراث حاد من العداء التاريخي، وهذا ليس تبريراً بأن من يملك وسيلة القوة ألا يستعملها، لكن مبرر صعود وتنامي الجريمة الغربية – الأمريكية، جاء كرد فعل سواء برعاية نظم ضد شعوبها، أو مباشرة التدخلات العسكرية والسياسية وذلك كله خلق مبررات الجريمة وتناميها.

الرياض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى