رأي

الدالوة .. لتظل تتدلى عناقيد العنب

ليلة استثنائية في تسامح الوطن

 

 

لم تكن عناقيد العنب حاضرة حين تسلل الغدر إلى ما بين الضلوع في مسائية الدالوة، تلك القرية التي تحور اسمها من تدلي عناقيد العنب الوفيرة في بساتين القرية، التي تغفو كل مساء في هدوء أزلي متاخمة لجبل القارة الشهير في الأحساء، إلى هكذا اسم “الدالوة”، فقد عاشت القرية التي تبعد عن مركز الأحساء “الهفوف” 15 كيلو مترا ليلة استثنائية مساء الاثنين الماضي؛ ضج معها الوطن من أقصاه إلى أقصاه، مستنكراً ومستشعراً الألم وتبعات هذا العمل الإجرامي الشنيع، الذي يستهدف شق اللحمة والوحدة لوطن اعتاد التعايش والسلام بين كل مكوناته، بعد أن كانت الفوضى هي سيدة الموقف قبل توحيد البلاد. مساء الاثنين الماضي كان إخواننا الشيعة يحيون مناسبة وفاة سيدنا الحسين، وقد اعتادوا على ذلك في حرية توفرها قيادة البلاد، ويتعاطف معها إخوانهم في عموم الوطن، ولكن ظلت هذه اللحمة وهذه المشاهد العصية على الاختراق أو محاولات الجر إلى مستنقع الاستعداء، هدف الغدر الذي تسلل إلى العمق ليودي بأرواح الأبرياء؛ فالمصاب ليس مصاب القرية ولا مصاب الطائفة ولا مصاب الأحساء؛ المصاب مصاب الوطن عموماً، لذلك لا يجب أن نلتفت إلى عبارات الشحن ورسائل التأجيج والتحليلات المغلوطة التي تعمل تباعاً لخدمة منفذي العملية، أو من يروم لهم دخول الوطن إلى مربع الصراع والمواجهات.

ولكن المشاهد والملموس بين الجميع، أن هناك وحدة صلدة ووقفات جادة من كل الأطياف؛ لمواجهة هذه الحالة الشاذة ودحرها ودحر كل فكر أو محاولات داعمة أو مؤيدة لها؛ فالجميع على قناعة تامة أن الهدف ليس فئة بعينها، بل هو التأجيج وافتعال الصراعات وجر الوطن إلى ما لا ينبغي من الظروف والمواجهات، وأشدد هنا على كلمة افتعال، فهي السبيل المعتمد عند دعاة التطرف وصناع المشاكل والأحداث، سوى أن خيالهم ونظرياتهم لا تنسجم وفكر عموم المواطنين هنا وعلاقتهم ببعضهم تلك العلاقة التاريخية التي ينسجم فيها الجميع عملاً ومراساً وليس شعاراً فقط، بل هناك تداخلات كثيرة ومصالح واسعة أهمها الاستدراك بضرورة سلامة الوطن وحياضه، باعتباره الحصن الواقي للجميع، فلا مساومات أو مزايدات حول ذلك، حتى وإن كثر اللغط وتزايد الكذب، إلا أن حقيقة ما في الصدور هي أن الوطن واحد وشواهد التاريخ والعلاقات تشهد بمستوى اللحمة التي تصل حد الفداء.

أعود إلى رسائل الكذب والتأجيج والتي تفترض جملة احتمالات وتوقعات منها ما يستوهم إحراج الدولة، ومنها من يفترض الإيقاع بين الطائفتين، ومنها من يستهدف الإيقاع بين الطائفة ذاتها، وكلها ملامح استعداء بعيدة عن الواقع، الذي تفرضه الثقة في قيادتنا، وحرصها على سلامة الجميع، وأمنهم وكفالة حرياتهم، وصيانة أعراضهم سواسية، دون تمايز أو مفاضلة بين أحد أمام النظام وأمام حكم الشرع الحنيف. مرة أخرى، استشعر كغيري مرارة الحدث، ونتقبل جميعاً العزاء في هؤلاء الأبرياء، الذين سقطوا برصاص الغدر لترسم دماؤهم لوحة تؤكد الانتماء للوطن الواحد، ونثق في أن دماءهم لن تذهب هدرا، فهذا الوطن وقيادته لا تعرف تسجيل الجرائم ضد المجهول، بل سيقف الفاعل تحت حد السيف، الذي تغافل عنه في شعار الوطن وبيارقه لحظة تنفيذ جريمته النكراء.

وأخيرًا، كلنا في الأحساء وفي الوطن مع الدالوة لتظل عناقيد العنب تتدلى دائما.

اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى