رأي

العمالة الوطنية بين المطرقة والسندان … د/ محمد بن عبدالرحمن المقرن

 

• نتيجةً لاستمرار تدفُق أعداداً كبيرة مَن العمالةِ الوافدة، أدى تزايُد أعداد الخريجين السعوديين من الجامعات وكليات التقنية وغيرها، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى شُح فرص العمل امامهم وبالتالي تفشي البطالة بينهم، وهو ما جعل وزارة العمل تقوم بتفعيل وتطبيق خطط وبرامج الإحلال والسعودة وفتح مجالات العمل في القطاع الخاص وزيادة نسبة مشاركة العمالة الوطنية في إجمالي القوى العاملة في البلاد.
هذا التوجه قابله العديد من الصعوبات والمعوقات، كان أهمها الارتفاع النسبي لتكلفة العمالة الوطنيّة، بجانب افتقارها للمهارة والخبرة مقارنة بالعمالة الوافدة، وهو ما أدى إلى ضعف استجابة أرباب العمل في القطاع الخاص وتحفظهم على توجهات برامج الإحلال والسعودة خِشية أن تتأثر الأعمال والنشاطات التي تنفذها منشأتهم سلباً بسبب عدم تلائم خطط التوطين مع واقع سوق العمل الذي يعتمد على العمالة الوافدة.

لا شك أن الاستعانة بالكفاءات والخبرات الأجنبية المميزة أمرٌ مطلوب، فلا يمكن الاستغناء عن اصحاب الخبرات والمهارات النادرة للمساهمة في البناء والتنمية. لكن حينما يقوم القطاع الخاص بتمكين العديد من الوافدين، ذوي المؤهلات العادية، من الإستحواذ على المناصب القيادية والتنفيذية وبرواتب وبدلات مُجزية، وفي المقابل توصد الأبواب أمام المواطنين الحاصلين على درجات علمية في مختلف التخصصات من جامعات سعودية ومن جامعات عريقة من مختلف دول العالم المتقدم، فهذا يعني حرمان الكفاءات السعودية حتى من المنافسة على فُرص العمل المتاحة.

يستحوذ الوافدون على ما يقرب من 55%، حسب بعض الدراسات والاستطلاعات، من الوظائف في منشأت القطاع الخاص وفي مختلف مجالاته ونشاطاته، إضافةً لشغلِهم معظم المناصب والوظائف العُليا فيه، مما يجعل لهم تأثير واضح في عملية صُنع القرارات خاصة في الأمور المتعلقة بعمليات تحديد الاحتياجات الوظيفية واستقطاب الموظفين وطريقة اختيارهم وتعيينهم والذي غالباً ما يكون لصالح بني جلدتهم على حساب ابناء الوطن. ونتيجة لهذه الهيمنة، كثيراً ما تتعرض اعداد كبيرة من الموظفين السعوديين في بعض المنشأت إلى المضايقات لأتفه الأسباب، بل وصل أحياناً إلى حد الفصل التعسفي.

في وقت تشترط فيه منشأت القطاع الخاص توفر نوعية محددة من المهارات والخبرات في المتقدمين للعمل لديها، ينافح اصحاب هذه المنشأت عن تفضيلهم للوافد بأنه أكثر خبرة ومهارة وإنتاجية وأقل تكلفة، مع انتقادهم المستمر لأداء الموظف السعودي وقلة إنتاجيته وعدم التزامه. ونتيجة لهذا المفهوم الذي أصبح سائداً، سُدَّت فرص العمل في وجوه اعداد كبيرة من الشباب السعودي، بينما هي لاتزال مفتوحة على مصراعيها للوافدين دون أدنى اهتمام بنوعية ما يحملونه من مؤهلات او مدى ملائمتها لمتطلبات المناصب الوظيفية التي يشغلونها، بل وصل الأمر في بعض المنشأت أن تم توظيف الوافدين في مهن وأعمال مقصورة على السعوديين، او حتى في مجالات يجب أن تعمل بها النساء.

من وجهة نظر ارباب العمل في القطاع الخاص، يعاني معظم الشباب السعودي من افتقاده لثقافة العمل ومعرفة واجباته الوظيفية، فالغالبية منهم قليلي الخبرة وتعاملهم غير موفق بسبب عدم حصولهم على التأهيل والإعداد المناسب. فالنقص المهاري والثقافي لَدَى الشباب السعودي، حسب وصفهم، جعلهم يفضلون الوافد لامتلاكه المهارة والجاهزية. ولتحقيق غاياتهم، يقومون بالإلتفاف على أنظمة السعودة من خلال عمليات التوظيف الوهمي للمواطنين، او تعينهم على وظائف هامشية، او تعينهم على وظائف رسمية، لكن مع عدم تكليفهم بمهام وواجبات عمل حقيقية. هناك موظفون سعوديون يتم تعيينهم في مناصب كمدير شؤون الموظفين او مدير قسم المحاسبة، لكنهم في الحقيقة لا يمارسون أيٍ من تلك المهام المتعلقة بمواقعهم الوظيفية، فهم مجرد واجهة للسعودة في هذه المنشأت لا أكثر، فالعمل الحقيقي يقوم به الوافد الذي يريد أن يثبت أهميته ويضمن استمراره. في معظم الأحيان يضطر الخريج السعودي لقبول هذا النوع من الوظائف مؤقتاً لحين الحصول على فرصة أفضل في موقع أخر، فيتم استغلال ذلك ووصفه باللامبالاة وعدم الجدية، وأنه يضرب بعرض الحائط الفرص التي يقدمها له القطاع الخاص.

من أجل القضاء على هذه الممارسات السلبية لبعض منشأت القطاع الخاص، لابد من إجراء عدد من الإصلاحات في سوق العمل، وتعديل بعض مواد وأحكام أنظمة العمل من أجل ضمان حقوق العمالة الوطنية، وفي مقدمتها وضع حد أدنى للأجور يتناسب مع احتياجاتها ومستوى المعيشة في المملكة، مع قيام القطاع الخاص بتعديل طبيعة العقود التي تتسم بمرونة تعيين الوافدين أو إنهاء عقودهم مقارنة بالسعوديين.
هذا جانب قصر الاستقدام على المِهن اليدوية والحِرَفية التي يصعُب توطينها، إضافةً إلى تلك الأعمال والوظائف التقنية التي تحتاج إلى خبرات وكفاءات فنية عالية لأداءها. اما الوظائف الإدارية، خصوصاً التنفيدية منها كأقسام ووحدات الشؤون المالية والمحاسبة والقوى العاملة والسكرتاريا والعلاقات العامة والمتابعة وغيرها من الأعمال المكتبية، فيتم قصرها على المواطنين دون سواهم.

dmmugren@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى